کد مطلب:71007 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:696

العید فی الإسلام











بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی نبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین، واللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین.

قال تبارك وتعالی: الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْكُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِیناً[1] .

إنّ طبیعة الأعیاد فی الإسلام تختلف عن الأعیاد فی الأدیان الأخری، فالعید فی غیر الإسلام هو غالباً للحصول علی مكسب مادی بحت.

مثلاً، الشخص الذی یربح فی تجارته ربحاً وفیراً یتخذ ذلك الیوم عیداً له، ومن یحقّق أمنیة من أمانیه یعد ذلك الیوم عیداً له، وكذلك الشخص الذی یولد له مولود یتخذ هذا الیوم عیداً، وهكذا توجد نماذج كثیرة لهذه الأعیاد فی نظرهم، وخصوصاً فی بعض المجتمعات الغربیة ومن سار علی شاكلتهم.

وبتوضیح أكثر نقول: إنّ أغلب الأعیاد فی غیر الإسلام ترتكز علی المادیات المحضة فحسب، وعلی إشباع الرغبات الجسدیة فقط.

أما العید فی الإسلام فإنه یختلف اختلافاً كبیراً عن هذه الأعیاد ـ من حیث المعنی والدلالة ـ فالإسلام الذی یری الإنسان جسماً وروحاً ومادة ومعنی، ویحاول التعادل بینهما والتكافؤ فیهما، ینسّق فی أعیاده بین المادیات والمعنویات، ویؤكد علی أنه كما یستفید الإنسان من مظاهر العید المادیة، یستفید كذلك من الأمور الروحیة والمعنویة أیضاً.

إن العید فی نظر الإسلام هو الیوم الذی یتنازل فیه الإنسان عن بعض المادیات لصالح أموره الروحیة والمعنویة، خُذ مثلاً عید الفطر: هذا العید الذی یأتی بعد مرور شهر كامل علی تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدیة، والرغبات الشهوانیة والجسمانیة، وهی حاجته للطعام والشراب وما إلی ذلك من الأشیاء التی یمتنع عنها الصائم فی صیامه، فهو عید قوة الروح وسلامته، والسیطرة علی الشهوات والرغبات، لكسب معنوی، وهو التعادل بین الروح والجسم، إضافة إلی الثواب الآخروی، وامتلاك الإرادة الصلبة فی مجال الطاعة لله عزوجل واكتساب فضائل روحیة عدیدة، مثل الإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوی النفس وشهواتها، وغیر ذلك.

فقد قال أمیرالمؤمنین الإمام علی: «إنما هو عید لمن قبل الله صیامه وشكر قیامه، وكل یوم لا تعصی الله فیه فهو یوم عید»[2] .

ومن الواضح أنّ هذا العید لا یخصّ إنساناً واحداً بعینه، وإنْ كان یعود علیه بالنفع والفائدة، بل إنّ هذا العید یشمل كل المجتمع، فآثاره عندنا عامة لا خاصة فقط، واجتماعیة لا شخصیة فحسب.

أما العید فی غیر الإسلام، فإنه مجرد حصول الشخص علی رغبة مادیة بحتة، وان كان فیها شیء من المعنویات فهو یتغاضی عنها ولا یعبأ بها، خذ مثلاً عید میلاد الأشخاص العادیین، ماذا یعنی ذلك عندهم؟

إنه یعنی مجرد الحصول علی هذا الجسم متغافلین عن الروح الذی هو جوهر الجسم وبه حیاته، فهل الاحتفال بشق الإنسان وهو الجسم الأقل أهمیة، ونسیان الشق الآخر وهو الروح الأكبر أهمیة، یعدّ احتفالاً كاملاً وشاملاً، ومفیداً ونافعاً!

كلاّ، لیس هذا الاحتفال احتفالاً كاملاً وشاملاً، لأنه لا یعود علی جوهر الإنسان وهو روحه ومعنویاته بخیر أبداً، بل یزید فی تضخیم الجسم والمادیات علی حساب الروح والمعنویات، ولا یكون مفیداً

ولا نافعاً؛ لأنه یؤدی إلی عدم التوازن بینهما، وعدم التوازن بینهما یعنی: القلق والاضطراب، والبؤس والمرض.

وربَّ سائل یسأل: لماذا یحتفل المسلمون وخصوصاً الشیعة بذكری ولادة الأنبیاء والأئمة والأولیاء (علیهم الصلاة والسلام)؟

وللجواب نقول: إن احتفالنا بذكری ولادة النبی والأئمة هو احتفالٌ كاملٌ وشاملٌ، لأنا إضافة إلی الاحتفاء بولادتهم الجسمانیة، نهتم بفضائلهم الروحیة والمعنویة، ونحتشد لإحیاء ما قدموه للإنسانیة من خدمات عظیمة تستحق الاحتفال والتذكر دوماً.

لذا فإن الاحتفال بـ «عید الغدیر» هو باعتبار عظمة الذكری[3] أولاً، وباعتبار أنّ الإمام علّمنا فی هذا الیوم كیف نصل إلی الأمن والسلام، والسعادة والهناء وكیف نستعمل الأمور المادیة لخیر الإنسانیة، وكیف نستفید من الحیاة لصالح الآخرة ونعیمها، وان لا نبیع آخرتنا الباقیة لدنیانا الفانیة، ولا العكس بأن نترك دنیانا ونتناساها بالمرة من أجل الآخرة، فقد قال الإمام الصادق: «لیس منا من ترك دنیاه لآخرته، ولا آخرته لدنیاه»[4] وهذا هو الكسب الإنسانی الصحیح؛ لأنّ فی اتباع ذلك الفوز بحیاة سعیدة فی الدنیا، وبالجنة والنجاة من النار فی الآخرة.

نعم، إن عید الغدیر هو إحیاء للمعنویات إلی جانب المادیات، فهو یوم تعیین الخلافة لعلی بعد الرسول مضافاً إلی أنه أمر معنوی سماوی نزل به جبرئیل علی رسول الله، ولهذا یعتبر هذا العید من أهم وأعظم الأعیاد عند المسلمین. وفی ذلك قال أحد أصحاب الأئمة: سألت أبا عبد الله هل للمسلمین عید غیر یوم الجمعة والأضحی والفطر؟

قال: «نعم، أعظمها حرمة».

قلت: وأی عید هو جعلت فداك؟!

قال: «الیوم الذی نصب فیه رسول الله أمیرالمؤمنین، وقال: من كُنت مولاه فعلی مولاه».

قلت: وأی یوم هو؟

قال: «وما تصنع بالیوم؟ إنّ السنة تدور، ولكنه یوم ثمانیة عشر من ذی الحجة».

فقلت: ما ینبغی لنا أن نفعل فی ذلك الیوم؟

قال: «تذكرون الله (عزّ ذكره) فیه بالصیام والعبادة، والذكر لمحمد وآل محمد، فإن رسول الله أوصی أمیرالمؤمنین أن یُتخذ ذلك الیوم عیداً، وكذلك كانت الأنبیاء تفعل، كانوا یوصون أوصیاءهم بذلك فیتخذونه عیداً»[5] .

فعلی المسلمین الیوم أن یجعلوا هذا الیوم حافزاً لهم لعمل الخیر والصلاح، والاتجاه إلی الله فی كل عمل من أعمالهم، والوقوف بوجه الظالمین وأعداء الدین، لیزدادوا قرباً من العلی القدیر.







    1. سورة المائدة: 3.
    2. وسائل الشیعة: ج15 ص308 ب41 ح20599.
    3. عظمة نعمة الإمامة والولایة علی البشریة التی صدع بها خاتم الرسل.
    4. من لا یحضره الفقیه: ج3 ص156 باب المعایش والمكاسب ح3568.
    5. الكافی: ج4 ص149 باب صیام الترغیب ح3.